رئيس التحرير : علي بن صالح الشمراني
صحيفة شمران الإخبارية

العرفج والموقف المحرج

+ = -

الكتابة عن صاحب مهنة منافسة بزعمي أنها من أصعب أنواع الكتابات؛ لما يشوبها من تأويلات واحتمالات متباينة.
فهي إما أن تكون بدافع الغيرة والحسد لا سمح الله. وهذا ما يدفع الكاتب للنقد السلبي أكثر من الإيجابي وتشريح العمل تحت مجهر السخط والحنق.
وإما أن تأتي تحت بند الحب والصداقة وهنا تكون النظرة بعين الرضا التي لا ترى العيوب بقدر ما تحيلها إلى مزايا.
وإما أن تكون ثقة عمياء وهنا ستظهر نبرة الفوقية والتعالي كالفنان الكبير عندما يشيد بعمل فني لغيره.
وإما أن تكون شهادة حق لا تملك أمامها إلا الاعتراف بها على طريقة الحق ما شهدت به الأعداء. على افتراض أن صاحب مهنتك عدوك.

لكن كتابتي عن عامل المعرفة الدكتور أحمد العرفج في يا هلا تحديدًا تتجاوز كل هذه الأبعاد والاحتمالات إلى رؤية أشمل وأكمل تنطلق من واقع التجربة الفعلية المبنية على المهنية الصرفة كصاحب مهنة بحكم ما أعرفه عن مثل هذا النوع من البرامج الإعلامية وقد خضت التجربة ذاتها في برنامج (مساءات) الذي أقدمه مع الدكتور سعيد السريحي على القناة الثقافية، وتوقف لأسباب غير معروفة إلى أجل غير مسمى.

فمنذ أن هبط العرفج على مدرج الشاشة وأصبح كائنًا تلفزيونيًا لطيفًا خفيفًا ظريفًا وهو يلقي بكامل ثقله وخفة ظله التي لم نعتد عليها في كتاباته ومقالاته وكتبه المقروءة المليئة بسجع الكهان.
ظهرت روح الدعابة والمشاكسة جلية واضحة في شخصيته التلفزيونية المرئية. فضلًا عن كونه حمل على عاتقه ملف تبسيط وترويض الثقافة ونقلها من برجها العاجي ومنابرها الرسمية ونخبويتها، وتسليمها كمادة سهلة في متناول الجميع تتسلل إلى عقول وذائقة الناس البسطاء والعامة من المتلقين. وكأنه يؤسس لمنهج النقد الثقافي والاجتماعي والفني وهدم الأسوار الشائكة التي كانت تحول بين الوطن والمواطن من جهة، وبين المواطن والمسؤول من جهة ثانية. وهو ما يحسب له بشكل أكثر وأكبر من غيره ممن سبقوه إلى هذا المجال.

لا أعرف إن كان أبو سفيان يذكر أنه كان أحد ضيوفي في برنامج (ليالي عكاظ) من سوق عكاظ أم أنه أدرج ذلك في سلة النسيان؟ كان ذلك قبل أن يبدأ برنامج (يا هلا بالعرفج) بعام تقريبًا. وقد كان أكثر إلحاحًا حينها على تسميته بعامل المعرفة بدلًا من الكاتب. وهو ما فعلته تمامًا وكانت المرة الأولى التي استخدم فيها هذا المصطلح الذي لم يكن إلا له ولا أدري إن كان ينبغي لأحد غيره استعماله أم أنه حكرٌ عليه!.
الدكتور العرفج حينها لفت انتباهي من بين الضيوف المشاركين معه في الحلقة بجمال التقاطاته وشمولية طرحه وعمق نظرته وسعة فضائه، وهو يتناول ثقافة الفرح التي كنا بصدد الحديث عنها في تلك الحلقة.

بدأ الدكتور العرفج برنامجه (يا هلا بالعرفج) الذي تحدث عنه هو وقال إنه لم يكن إلا مؤامرة ودودة أو محاولة أخيرة من صديقنا المشترك علي العلياني لإلغاء فكرة الهجرة الخارجية التي كان يهم بها العرفج بعد تقاعده من وظيفته بدافع التفرغ التام للقراءة والكتابة.
وهنا أقول: إن الصديق العلياني صاد عددًا من العصافير بوردة واحدة لم تكن إلا رصاصة الرحمة بأبي سفيان (اليتيم) وهو ينقذه من نار الهجرة.

وهذه إحدى حسنات أبي سعد الكثيرة، وهو يتمتع بحس إنساني لا يقل عن حسه الإعلامي، ويرى ما لا يراه غيره في الأفق البعيد مدعومًا بوعي المسؤولين في روتانا. فكانت ضربة معلم.
شكَّل العرفج والعلياني ثنائيًا متناغمًا يصعب تكراره، ولكنه غير مستحيل في زمن الكفاءات والطاقات الشابة. هذا التناغم وهذه الثنائية المبنية على الحب أولًا ثم معرفة المذيع بالعزف على الأوتار التي يطرب لها الضيف وقدرته على هز الغصون المثمرة في حديقة صاحبه، خلقت بينهما جوًّا وثيرًا من الانسجام ومبشرًا بمزيد من الخصب والنماء، وهما يمرران لبعضهما الكلمات الناعمة حينًا والعنيفة حينًا آخر فأصبح علي جزء من محتوى البرنامج صنع سقفه بنفسه حتى قلنا إنهما صنوان لا انعتاق لأحدهما عن الآخر، ومتى افترقا سيكون الفشل حليفًا للآخر.

إلا أنهما افترقا وتعاكست الأدوار. فهاجر أبو سعد إلى فضاء آخر، ووجد أبو سفيان نفسه وحيدًا بلا رفيق دربه الذي حرضه على البقاء وأثناه عن الهجرة وأوقد فيه شعلة الحماس لامتطاء فرس المعترك الداخلي واقتحام عوالم الشاشة. وهنا كان التحدي الصعب أمام الموقف الأصعب. فإما أن يكمل العرفج المسيرة ويراهن على النجاح بعيدًا عن علي وإما أن يتوقف. لكنه قرر الصمود والصعود ومواصلة الركض بغض النظر عن كل الاحتمالات القادمة وما يترتب عليها.

لعلي لا أذيع سرًا إذا قلت إنني أحد الذين كانوا يظنون ظن السوء في عودته قياسًا بما أعرفه عن ثنائيته التي نجح بها. وكنت حريصًا على متابعة الحلقة الأولى بعد العودة بلا علي، ليس تهميشًا لدور خلفه وزميله المتناوب معه على تقديم برنامج يا هلا الزميل خالد العقيلي وفقه الله. لااا. أبدًا فخالد يملك كل الأدوات للظهور والحضور التلفزيوني، ولا تعوزه مقومات النجاح، لكن الأمر كان مرهونًا بقبضة التعوّد، وشباك ما اعتاد عليه المشاهد في ذاكرته البصرية عندما يربط برنامجًا ما بشخص محدد، ومن الصعب تغيير هذه النظرة بين عشية وضحاها.

ظهر العرفج مع خالد العقيلي ووجدت في الحلقة الأولى أن جميع مخاوفي تلاشت حد النسيان التام لتلك الصورة التي اعتدنا عليها مندمجًا مع فقرات الحلقة. الأمر الذي ملأني شعورًا أنه قادر على إنجاح برنامجه بنفسه. فهو من يصنع الألفة، وهو من يفتح شهية الحوار مع المذيع، وهو من يملك رؤية نقدية حاذقة وثقافة واسعة وثراءٍ معرفي في شتى مجالات الحياة واتجاهاتها. ثم يسكبها في قالب مبهج يحمل نكهته وصبغته الخاصة به كمن يحسن المزج والفصل بين الهزل والجد والحميمية والرسمية والطرافة. وقد بدا مع زميله الجديد بما لا يشير أنه رتم اللقاء الأول بينهما.

أخيرًا. لست هنا بصدد الحديث عن برنامج (يا هلا بالعرفج) بوصفه برنامجًا هادفًا وناجحًا بكل المقاييس لنجاحات البرامج، ولا عن العرفج المذيع أو الكاتب بقدر ما كنت معنيًا بالحديث عن العرفج في يا هلا وهو حديث مؤجل. ودمتم بعافية

الوسم


أترك تعليق

Blue Captcha Image
Refresh

*

تابعنا على تويتر
مواليد شمران المزيد

سعيد يضيء منزل الاستاذ / أحمد بن سعيد بن مسفر آل مقبول الشمراني

الزيارات :
رزق الاستاذ / أحمد بن سعيد بن ال مقبول الشمراني ( ال حارثية شمران) هذا اليوم بمولود جعله الله من مواليد السعادة ومن ...

المهندس محمدبن عايض بن محمد بن غرم الله الشمراني يرزق بمولوده جديدة

الزيارات :
رزق المهندس محمدبن عايض بن محمد بن غرم الله الشمراني ” ال حارثية شمران” بمولوده جديد اتفق هو وحرمه على تسميتها دانه ...

محمد يضيء منزل الأستاذ/مصلح بن محمد بن احمد الشمراني

الزيارات :
رزق الاستاذ مصلح بن محمد بن احمد(التليبي )الشمراني بمولود اطلق عليه اسم محمد مسمى على جده محمد بن احمد صحيفة شمران ...

الاستاذ مسفر بن سعيد ال حمدان الشمراني يرزق بمولود

الزيارات :
رزق الاستاذ مسفر بن سعيد ال حمدان الشمراني هذا اليوم بمولود جعله الله من مواليد السعادة ومن حفظة كتابه الكريم ...

تركي يضيء منزل الاستاذ / فهد بن عبدالله بن بريك الشمراني

الزيارات :
رزق في الأيام القليلة الماضية الأستاذ / فهد بن عبدالله بن بريك الشمراني ( شمران تباله) بمولود اطلق عليه اسم ( تركي ...
انفوجرافيك المزيد
  • الزوار

    1590698
    Users Today : 682
    This Month : 39788
    This Year : 209535
    Total Users : 1590698
    Views Today : 3451
    Total views : 27305432
    Who's Online : 44