رئيس التحرير : علي بن صالح الشمراني
صحيفة شمران الإخبارية

الشهم الكريم .. ذكريات و قيم!

+ = -

من الطبيعي جدا عندما كنا صغاراً اًن يرى الطفل ُ أباه أعظم الرجال وأشجعهم ، وأكبرهم وأكرمهم ، لكن هذه النظرة تتغير وربما تتلاشى مع مرور الوقت واتساع أفق الفكر وخوض تجارب الحياة ومخالطة الناس . والأكثر ظنا أن هذا التغير في النظرة يكون هو السائد مع كثير من الناس. وقلة منهم من يحتفظ بنظرة أبنائه به بعد أن يكبروا لكونهم كذلك فعلا. وقلة من القلة من تكتشف مع مرور الأيام أنه يزيد عظمة وشموخا كلما امتد به العمر. ومن النادر جدا أن تبقى نظرة الاعجاب هذه تتسامى حتى بعد الموت…
لكن هذا -والله على ما أقول شاهد -هو ماكنت ولازلت وسأظل أراه في أبي غفر الله له وهو يتسامى ويتنامى ويتعاظم في عيني يوما بعد الآخر، منذ أن وعيت للحياة الدنيا حتى فارق الحياة وهو يزيد سموا ورفعة ومهابة كلما عاش مرحلة من مراحل عمره.فتزيد نظرتي به اعجابا وحبا.
في صغري كنت أراه الحامي والمجير الذي احتمي باسمه وظلاله وهيبته .
وفي مراهقتي كان المراقب والمحاسب والرقيب الذي أتحاشى خوفا منه الانزلاق والانجراف وراء الأهواء والشهوات.
وفي الرجولة كان العزوة والسند والذراع القوي الذي استند اليه لتحقيق آمالي وطموحاتي. وهو من غرس حب الاذاعة في داخلي وقد كان أحد أكثر خلق الله استماعا لبرامجها الهادفة . ولعلي تحدثت عن هذا الجانب بشكل موسع في لقاءٍ منتديات قبائل شمران قبل عدة سنوات.
كبرت وتزوجت وكونت أسرة ووجدت وأنا أدير شئون أسرتي الصغيرة أنني أغرق في أبسط المشاكل وهو مالم يكن يعرفه يوما ما. ولم أره في حياته كلها مأسورا بحالة مزاجية نتيجة مشكلة أسرية. وهو رب لأسرة كبيرة تعد من أكبر الأسر في المجتمع الجنوبي. ومع أربع زوجات من قبائل مختلفة خلاف مطلقتين ووفاة واحدة وقد أنجب منهن جميعا عدا واحدة وازدحم المنزل بالصغار والكبار والزوجات وأمهات الزوجات والاحفاد وكان صدره عامرا بهم ولهم مشرعا كباب مجلسه على مصراعيه.

هذه المقارنة التي وضعت نفسي فيها زادته جلالا وإجلالا في نظري بقدر مازادتني تضاؤلا واضمحلالا أمام همته وعزمه. وأنا أنكسر وأنحني أمام مواقف عصيبة كما أراها لوتحدثت بها اليه لسقطت من عينه لهوانها في نظره. . كنت أذهب للمكتبات وأبحث في كتب التربية عن كيفية التعامل الأمثل مع الأبناء.ثم أجد أحد الباحثين التربويين يقول. حاولت استخدام 75 نظرية تربوية منها ثلاث نظريات قمت أنا بتأليفها للتعامل مع أبنائي ، ولكنها لم تصمد أمام الواقع الذي عشته وخاصة في احتواء المراهقين من الابناء الذكور. . ثم تذكرت والدي وهو الذي لايحسن القراءة والكتابة ولم يسمع بالنظريات التربوية وكيف أنه كان أنموذجا للمربي والقائد والمسئول وهو يسير بين اللين والحزم. يغمره حنان الابوة ساعة الحاجة اليها وتعصف به رياح الشدة حين يرى مالايعجبه.
ًأتذكره وأتذكر احتواءه لعائلة بهذه الكثرة ووقوفه مع كل منا على حده وكأنه يخصه بحب له دون غيره.
أرى تلك الثقة التي كان يمنحنا اياها ونحن في سن مبكرة ليجعل منا أطفالا رجالا وحرصه على أن نكون عند حسن ظنه بنا وخوفنا من غضبته إن نحن خذلناه في شيء.
ويوما بعد يوم كان يزيد صعودا وصمودا في وجه الايام كعود زاده الاحراق طيبا. فلم يكن الا كجبل كشفت شدة الرياح عن صلابة صخورة وأزالت ما علق به من غبار السنوات.
ليس في حياته فقط بل حتى بعد رحيله وأنا أستعيد مواقفه وصراعه مع الحياة ولم يستسلم لها ثم صراعه مع الأمراض التي داهمته على كبر وكان يتصدى لها بكلمته الشهيرة التي يعرفها كثير ممن زاره في ايامه الأخيرة وهو يردد . بخير بخير. وكأنه نسي كثيرا من الكلمات عدا هذه الكلمة ثقة بالله وحسن ظن به.
في أيامه الأخيرة كان يغيب أحيانا عن وعيه الحاضر متكئا على ماتكوم في عقله الباطن من تجارب فعلية وعقلية وقولية. حينها كان ينادي من يكون قريبا منه من أبنائه ويطلب منه الاتصال بأحد معارفه القدامى لاستصافته ويطلب تجهيز المجلس واختيار السمين من الذبائح مستعيدا ماكان عليه في قوته .
ربما البعض يعرف شخصية زهير بن غيثان الرجل المضياف الكريم الراوي وذاكرة الشعر الجنوبي القديم. الصامد بكل قوة لأخذ الحق واعطائه. الرجل الذي يؤخذ منه باللين والطلب مالايؤخذ بالقوة والباطل. .وهذه الجوانب تفضل بالحديث عنها مع وافر الشكر والحب كل من الاستاذ الشاعر عبدالرحمن بن جروان. والدكتور عبدالله الرشيدي والدكتور سعد بن سليم وغيرهم من محبي الوالد وعارفيه وصحابه في كلماتهم اللطيفة مع ماأبدعه شعرا الشاعر زهير بن مداوس ومحمد بن قحاز وغيرهما في قصائدهم التي نقلتها مشاعرهم بكل صدق مواساة لنا أيام العزاء

أما زهير بن غيثان الأب فهو مختلف تماما عما يعرفه الناس عنه.
فرغم سلطته وهيبته الا أنه كان رحيما عطوفا حنونا متفقدا ومنفقا على الصغير قبل الكبير.
يلاطف الصغار ويلاعبهم وينشد لهم قصائد الفخر والحماسة والاعتزاز. ويلبي رغباتهم باللعب معهم والمزح والملاطفة. ويغرس فيهم قيم الرجولة وفعل الخير مع القريب والبعيد.هذا الجو من المرح والسعادة التي يصنعها في المنزل جعلت البعض من أقراننا ومجايلينا يتمنى أبا له ذات الصفات والسمات.
ومع أنه كان رحمه الله يختلف ككل البشر وهم يختلفون مع بعض من حولهم. الا أنني والله لم أسمعه يوما يقول لاتذهب عند آل فلان أو لماذا ذهبت عند آل فلان . لكنه كان يحثنا على الرفقة الصالحة. ويقول لنا دائما: الواحد أي الرجل لايرافق الا من هو أطيب منه. لأنه يعلمه قيم الطيب والرجولة.
كان غفر الله يتمتع بشخصية قوية متفردة مؤثرة انعكست علينا جميعا ونحن نتقمص شخصيته ونستعير كلماته ومفرداته خاصة أن له قاموسه الخاص به الذي يحمل تركيبة عباراته التي كان يقولها في مناسبات معينة ونحن نقولها بنفس النطق حين تأتي مناسبة مشابهة بفضل تاثير شخصيته علينا. في ترحيبه بالضيوف واستقباله لهم. في وقفاته وثباته. في حديثه وإنشاده. حتى في طريقة لبسه وعمته حين يعصب عمامته برأسه ويربطها بطريقة تجعله كالمتحفز دائما لخطب ما. وهذه الربطة غدت احدى ملامح شخصيته التي تميز بها طيلة حياته.
لازلت وسأظل أرى عطفه علينا وحنانه وحبه لكل مايبهجنا ويزيدنا فرحا وسعادة من المطعم والمسكن والملبس والمركب والتعليم وزرع القيم الرفيعة وبث الرسائل الايجابية بالتشجيع والهمة العالية والصبر والتحمل وسعة الصدر.
أرى كرمه وانفاقه وتضحياته من أجلنا.
أرى شيم العظماء وذمم العطاء والوفاء التي كان يتحلى بها رحمه الله خلال هذا الشهر المبارك وأعمال الخير التي كان يقوم بها سرا وعلانية.
جاء الينا في العزاء أحد أهل التقى والصلاح وقال إن كنتم تعرفون شيئا عن أبيكم من أعمال الخير فإني أعلم مالاتعلمون وقد أوكل لي….الى آخر ماقال كتب الله أجره. وأضاف يقول : لو أن أبا علي عاش في زمن الصحابة رضوان الله عليهم لكان له شأن عظيم بينهم.
لكأني أراه الآن وهو يطل من الأعالي ممسكا بجهاز الراديو بين يديه مدويا في هدأة السحر اللهم ان بيتك عظيم ووجهك كريم وأنت يا الله كريم عظيم تحب العفو. فاعف عنا. وهو يصر على ايقاظنا جميعا لتناول طعام السحور. حتى الذين لايمكنهم الصوم من الصغار.
أراه قبيل الافطار رافعا كفيه بالدعوات ورافضا أن يمد يده الى الطعام حتى يكتمل حضور جميع من في البيت.
أراه وهو يتهيأ لاخراج الزكاة ليلة العيد ونحن نتحلق حوله مرددا ادعية ألفنا سماعها منه.
أراه في كل مايبهج الروح ويغذي الوجدان كشجرة وارفة الظلال والجمال دائمة الطلع والثمر.
ورحلت يا أبي. نهرا من الحنان والأمان قد نضب.
ورحلت يا أبي. شلالا من النور قد انطفأ.
ورحلت يا أبي. بابا من أبواب الجنة قد أغلق.
ورحلت يا أبي.حصنا من الشموخ قد تهدم.
يامن تحار الكلمات وتتضاءل العبارات وتقف عاجزة عن رثائه.
بأي شيءٍ أرثيك؟
وأنا الذي كنت أتوارى خجلا من لغتي وشعري وقصائدي ودفاتري حين أقف بين يديك. ومازادك موتك الا مهابة وجلالا. لذا لن أتجرأ بعد موتك علبك وأنا لم أفعلها في حياتك.
وأي قصيدة ستكون قادرة على القيام وهي تنوآ بثقل موتك؟ إن أنا تجرأت وكتبت. ؟
وأي قصيدة ستكون قادرة على استيعاب كل ماتختلج به الروح من مشاعر؟!
لن أفعل ذلك أبدا فرثاؤك أكبر وأجل وأسمى من أن تحتمله لغتي المتواضعة.
فاللهم إنا نسألك بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين كما رفعت قدر شهرك الكريم في قلوبنا أن تكرم نزل عبدك الكريم لديك. وأن توسع مدخله وتغسله بالماء والثلج والبرد. اللهم نقه من الخطايا والذنوب والآثام وأبدله داراً خيراً من داره وأهلا خيرا من أهله. واجعل مستقره وقراره جنة الفردوس برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارحم موتانا وموتا المسلمين
وافتح اللهم على قبورهم نافذةً من نسائم عفوك ورحمتك وغفرانك. آمين آمين.

الوسم


أترك تعليق

Blue Captcha Image
Refresh

*

تابعنا على تويتر
مواليد شمران المزيد

غيم تمطر بالفرح بمنزل الأستاذ احمد بن عيد بن حزمي الشمراني

الزيارات :
مع هطول الامطار وتباشير الفرح فقد رزق الاستاذ احمد بن عيد بن حزمي الشمراني بمولودته التي احب ان يطلق عليها اسم ...

سعيد يضيء منزل الاستاذ / أحمد بن سعيد بن مسفر آل مقبول الشمراني

الزيارات :
رزق الاستاذ / أحمد بن سعيد بن ال مقبول الشمراني ( ال حارثية شمران) هذا اليوم بمولود جعله الله من مواليد السعادة ومن ...

المهندس محمدبن عايض بن محمد بن غرم الله الشمراني يرزق بمولوده جديدة

الزيارات :
رزق المهندس محمدبن عايض بن محمد بن غرم الله الشمراني ” ال حارثية شمران” بمولوده جديد اتفق هو وحرمه على تسميتها دانه ...

محمد يضيء منزل الأستاذ/مصلح بن محمد بن احمد الشمراني

الزيارات :
رزق الاستاذ مصلح بن محمد بن احمد(التليبي )الشمراني بمولود اطلق عليه اسم محمد مسمى على جده محمد بن احمد صحيفة شمران ...

الاستاذ مسفر بن سعيد ال حمدان الشمراني يرزق بمولود

الزيارات :
رزق الاستاذ مسفر بن سعيد ال حمدان الشمراني هذا اليوم بمولود جعله الله من مواليد السعادة ومن حفظة كتابه الكريم ...
انفوجرافيك المزيد
  • الزوار

    1630963
    Users Today : 1729
    This Month : 32530
    This Year : 249800
    Total Users : 1630963
    Views Today : 15958
    Total views : 27914920
    Who's Online : 45