منذ ٩٢ عام وباليوم الاول لتأسيس دولتنا المباركة على يد المغفورله باذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود , وبعد أن أُطلق على هذه الدولة اسم المملكة العربية السعودية في عام (١٩٣٠م) وتم توحيدها، بدأ الاهتمام بوظائف الدولة الرئيسة،ومن أهمها الحفاظ على امن المواطنين وحفظ حقوقهم ونشر العدل بينهم والمساوة والقيام بحل الخلافات التي تنشأ بين الأفراد والجماعات، وحماية الحقوق عند تعرضها للاعتداء والنزاع. وقد أدرك ان مثل هذة الاهداف لاتتحقق الا بوجود قضاء عادل وقوانين منصفة وواضحة ، فعمل بداية على البناء والاستمرار على ماوجده في الأقاليم الادارية من انظمة قضائية وعدم احداث اي تغييرات جذرية قد تتسبب في ارباك المشهد في دولته الحديثة ، فقد كانت الانظمة القضائية تختلف من اقليم لأخر بناءً على خلفيات كل اقليم المذهبية والحضارية واختلاف العرف من اقليم لاخر ،ففي نجد كان القضاء الشرعي هو القضاء الشعبي الذي يعتمد على قاضي واحد لكل بلد يستمد احكامه من المذهب الحنبلي ، بينما في الاحساء (المنطقة الشرقيةاليوم) كان يقوم نظامهم القضائي على المذهب الحنفي وفي عسير وما حولها كان يسودالمذهب الشافعي في المحاكم الشعبية هناك ، وأما في الحجاز فكان الوضع أفضل تنظيماً في مدن تعتبر متقدمة حضارياً مثل مكة والمدينة وكان المذهب الحنفي هو المذهب المعتبر هناك في جميع مناحي القضاء وذلك تبعاً لنظام الدولة العثمانية بذلك الوقت.
وبعد العام الاول من التأسيس قام الملك عبدالعزيز بتشكيل لجان ومجالس في جميع المناطق للنظر وعمل مايلزم لتطوير المرافق الادارية والقضائية في البلاد , فتم الاتفاق على توحيد مصادرالاحكام الشرعية في البلاد بان تكون من الشريعة الإسلامية ( القران والسنة واجماع علماء المسلمين) وان يكون المذهب الحنبلي هو المذهب الأساسي في استنباط الاحكام الشرعية وكذلك تم تأسيس رئاسة القضاء في مكة ، أمابقية الاقاليم مثل نجد و الاحساء وعسير فبقي فيها نظام تكليف قضاة منفردين لتشكيل محاكم تقوم بشؤون القضاء في المدن وماجاورها من قرى ومن ثم تم الحاق نظام القضاء و المحاكم بجميع دوائرها ودرجاتها تحت سلطة المفتي العام.
وفي عهد الملك فيصل رحمه الله تم استحداث اول وزارة للعدل عام (١٩٧٠م) لتتولى الاشراف على الأمور المالية والادارية للمحاكم على ان يبقى الاشراف على القضاة وشؤنهم وتعييناتهم وعزلهم منوطاً بمجلس القضاء الاعلى والذي اصبح اسمه اليوم المجلس الاعلى للقضاء وقد أصبح وزير العدل رئيساً لهذا المجلس .
على مستوى النظام القضائي فقد كان القضاء في المملكة يتم على درجة واحدة فقط حاله حال الكثيرمن الانظمة القضائية حول العالم ومع النظام القضائي الجديد تم تنظيم وتشريع تعدد درجات القضاء وكذلك تعدد جهات القضاء حرصاً للحفاظ على ميزان العدل والحقوق، فبتعدد درجات القضاء أصبح هناك درجتين للقضاء وهي الدرجة الاولى ودرجة الإستئناف (التمييز) بالاضافة للمحكمة العليا استثناءً في بعض الحالات، واستحداث محاكم التنفيذ والتي ينعقد لها الاختصاص في تنفيذ جميع الاحكام القضائية المدنية النهائية ،
وكذلك تعدد جهات القضاء فهناك القضاء الشرعي الذي يعني بالفصل في النزاعات التي يكون جميع أطرافها من الاشخاص المدنيين ( طبيعي او معنوي) ويتشكل من (المحكمة العامة ، المحكمة الجزائية ، المحكمة العمالية ،المحكمة التجارية ، محكمة الاحوال الشخصية)، وهناك القضاء الاداري ( ديوان المظالم) والذي يقتصر دوره للفصل في النزاعات التي تكون الحكومة او احدى الجهات الرسمية التابعة لها طرفاً فيها وتتشكل من عدة دوائر لكل دائرة اختصاصها .
وجاء مشروع الملك عبدالله رحمه الله لتطوير القضاء بمثابة نقطة التحول العظمى في مسيرة وتحولات القضاء حيث تم تخصيص مبلغ ( ٧ ) مليارات ريال لتطوير مرفق القضاء شكلاً ومضموناً والضبط الشامل الالكتروني للوزارة .وهكذا أستمر التطور في مرفق القضاء والقوانين السعودية الى ان وصلنا الى ثورة في القوانين تعمل على تأطير وتقنين القوانين والأنظمة من خلال تهذيبها وتحديدها وتدوينها
، ففي العام الماضي فقط الى اليوم تم تحديث واستحداث (٢٠) نظام في مجموعة الانظمة السعودية وكان من بينها وأهمها ( نظام التنفيذ امام ديوان المظالم ، نظام التكاليف القضائية ، نظام الانضباط الوظيفي ، نظام الاحوال الشخصية ، نظام حقوق كبير السن ورعايته ، نظام الاثبات ، نظام تصنيف المقاولين ، نظام التسجيل العيني للعقار، نظام حماية البيانات الشخصية) ويأتي تتابع تحديث و تطوير القوانين السعودية على رأس أولويات قادة هذة البلاد منذ عهد المؤسس والى عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين الامير محمد بن سلمان (حفظهما الله) وهو الذي أعلن بالعام الماضي في لقاء صحفي ان هناك خطط لاقرار مجموعة من مشاريع القوانين الجديدة والتي تهدف الى تعزيز كفاءة ونزاهة النظام القضائي في المملكة في خطوة من شأنها أن تؤدي الى نظام قانوني مدون بالكامل .
ونحن في هذا اليوم الوطني الـ (٩٢) نعيش ونشاهد ونلمس تحقق هذة الخطط وهذة الجهود الجبارة والمتواصلة منذ التأسيس الى يومنا هذا وشهد به القاصي والداني.
واختم هنا باستشهاد في سطور من تقرير التنافسية العالمي (٢٠١٩م)(حققت المملكة الترتيب الـ١6 عالميا متقدمة 8 مراكز عن العام السابق في مؤشرالاستقلال القضائي، وفيما يتعلق بمؤشر كفاءة الإطار القانوني لتسوية النزاعات، قفزت المملكة 4 مراكز، لتحل في الترتيب الـ17 عالمياً، فيما بقيت على المركز الـ11 في مؤشر «مواءمة الإطار القانوني للأعمال الرقمية»، وفي مؤشر كفاءةالإطار القانوني للطعن في اللوائح، تقدمت 11 مركزاً ليصبح ترتيبها الـ ١8 عالميا..كذلك، تقدمت المملكة في مؤشري إنفاذ العقود وتسجيل الملكية العقارية ضمن تقرير سهولة ممارسة الأعمال ٢٠٢٠م،الصادر عن مجموعة البنك الدولي، إذ انتقلت إلى المركز 51 في المؤشر الأول بعد أن كانت في المرتبة 59، وانتقلت للمركز 19 في المؤشر الثاني بعد أن كانت في المرتبة 24).

بقلم الكاتب/ مصلح احمد ال صقران الشمراني
محافظة جدة