لم تستطع الموجات والصرعات الحضارية الجديدة أن تجرف بعض العادات التي شكلت بإصرار طرفاً بين الماضي القريب والحاضر الجديد، وبرغم التقدم الحضاري المتنوع في هذا العصر الا أن هناك ألواناً من ألوان الحياة القديمة لا زال طعمها يستهوي الناس ويستمتعون بتذوق جمالها مغرمين ببساطتها وجمالها العفوي إضافة إلى أنها بقيت كمؤشر لشيء من بقايا ذائقة الاجيال القديمة ، وارتباطهم بحياتهم الطبيعية في معيشتهم واستمتاعهم بعبق الطبيعة .
هذا ما يسجله بائعو البرك والريحان والكادي في الاسواق الشعبية في تهامة وتحديداً في العرضيات الشمالية والجنوبية والمخواة ونمرة وسبت شمران وغيرها من الاسواق الشعبية القديمة التي لا تخلو منها مدن وقرى الشريط التهامي ، والتي يمارس فيه أهلها التجارة بيعاً وشراءً مع عرض السلع المجلوبة للبيع .
هذه الاسواق التي تمثل سمة من سمات الحياة في الماضي والحاضر لا تخلو من بائعي أو بائعات الريحان والبرك والكادي التي ربطت منتوجاتهم العطرية في حزم طبيعية شكلت باقات فواحة ذات جمال تشعرك برائحة الامس وبساطة الحياة وروعة قلوب اهلها وزارعيها وصفاء نواياهم ، والتي ترسم في عبقها وحدة العادات والتقاليد وتنوع المأثورات لديهم .
ان هؤلاء البائعين ببساطتهم يقدمون دعوة مشبعة بالإحساس للرجوع للماضي والحنين إليه .
بائع الريحان سعيد الغامدي في سوق محافظة المخواه الشعبي يقول انه قبل 60 سنه كان في كل منزل من منازل اهالي القرية المتواضعة حديقة او ركن مزروع لا يتجاوز 4 امتار مربعة تحتوي على النباتات العطرية من الريحان والبرك والشيح والكادي والحبق رغم قلة الامكانيات الا اننا نرويها بفائض مياه منازلنا اليومية ، وكنا في يوم الجمعة نقطف من هذه الزهور والرياحين ونضعها في ملابسنا وجيوبنا وعلى رؤسنا ومن لديه زيادة فهو يحضرها الى المسجد ويوزعها في باقات على المصلين ويقدم كهدايا للزوار والضيوف ، اما الآن في هذا الزمن فاصبحت المنازل شققا وفلالا وتصحرت البيوت الا القليل في القرى والتي يحرص عليها كبار السن .